[b]في حوار موسع أجرته الوكالة
الشاعر الشاذلي القرواشي يكشف سر هروب محمود درويش داخل الحارات التونسية .. ويؤكد : لم يعد هناك مكان للإنسان غير المبدع
الاربعاء, 2009.08.19 (GMT)
الثقافة العربية وخاصة في مستوى الشعر تعاني من خفوت
البلوغ للحضارة يستوجب التضحية من قبل المثقفين
لم يعد هناك مكان للانسان غير المبدع
الانسان العربي صاحب النسبة الاضعف في مطالعة الكتب
يجب أن يستمر الإبداع ونخرج من حالة الانكفاء الى الوعي
وكالة أنباء الشعر/ حاوره: عمر عناز
مابين مشرق الشمس ومغربها مسافة من دهشة يرتسمها الشعر بما يحمل من ايحاءات ترصّع نوافذ افكارنا بندى التأمل .. نوافذ نطل منها على مدائن الحلم علّنا نقتنص لحظة الابداع الملونة بالأخضر المنعكس من ثنايا روح ابن تونس الخضراء الشاعر الجميل الشاذلي القرواشي،
استثنائي في الكثير من تفاصيل شعره وشخصه، فهو شاعر يجترح مسافات بوح تعبق بالسحر الذي تموسقه روحه على ايقاعات ملائكية الملامح، وبقدر مايسمو بروحه نجده منتميا للأرض ملتصقا بها حد انه يقدّم ركوب ناقة لالاف الاميال على التورط بصعود طائرة،
كان للشاذلي حضوره المميز في النسخة الثالثة من امير الشعراء وقد حظي بتكريم الناقد الدكتور عبد الملك مرتاض الذي قال بحقه انه شاعر مميز ولو أن التصويت أنصفه لكان ضمن باقة شعراء الدور النهائي ...
احتفاء بتميز الشاذلي وندرته الابداعية استضافته الوكالة عبر هذا الحوار ...
الشاذلي القرواشي متحدثاً للزميل عمر عناز
- الشاذلي القرواشي.. عبر تجربة طويلة في ميدان الكتابة ..كيف تقرا الشعر بوصفه مفهوما ؟
الشعر هو محاولة لاحداث التوازن مع الوجود اساسا وهو ضرورة في حياة ابتعدت عما هو طبيعي ودخلت في طبيعة ثانية أسميها الثقافة، فلا بد من الانخراط في الكون على نحو ابداعي والشاعر قادر على اعطاء رؤيا للوجود والانخراط في تفسير العالم ومن هنا فان الشعر يصبح ضرورة.
- مازلت الثقافة لاتقر على تعريف قطعي ، ماتعريفك للثقافة ، هل هي سلوك ام تراكم كمي للمعلومات ام كلاهما؟
اولا يجب ان نبين مراحل الثقافة وتمظهراتها، فهناك من يحمل الثقافة وهو عبارة عن شخص لديه مجموعة من التراكمات الثقافية يحتفظ بها الوعي ولكن بمجرد انخراطه في الحياة اليومية يعود الى طبيعته التي نشأ عليها، وهناك صنف ثان هو المثقف الذي نجد في سلوكه تغلل الثقافة في مسام حياته اليومية فيقيم على الارض على نحو يختلف عن الانسان غير المثقف ولكن هناك فئة ثالثة وهي نادرة والتي يتحول فيها الكائن كمنتج للثقافة وهولاء لايظهرون الا في فترات متباعدة من التاريخ البشري مثل ابن رشد وابن حلدون وابن سينا وغيرهم، والثقافة في نظري هي كل مايخرج عن الطبيعة وذلك في غياب مدلول تاريخي ينبئنا عن حالة الانسان وهو في مرحلة الطبيعة.
- برأيك هل كان لحضور الخطاب الديني في المنطقة العربية دور في مأسسة الثقافة وجعلها رتيبة وغير منتجة أم أن هذه دعوى يمارسها من يبحث عن مزالق الانفلات الفكري؟
ان هيمنة الخطاب الديني تفرض ضوابط تجعل من الثقافة تنمو في أطر محددة لايمكن الخروج عنها وهنا اتكلم عن ايدلوجية دين وليس الدين في مفهومه المطلق بمعنى الدين كما تضبطه المؤسسة الدينية القائمة في مجتمع ما التي تحدد ابعاده ومفاهيمه، ولو تحدثنا عن الشعر مثلا بوصفه عنصرا من عناصر الثقافة الانسانية فاننا نجد أنه يخضع الى شروط المؤسسة الدينية فمثلا لقد عانى الشاعر كثيرا في عصور سابقة من استلابه الى هذه المؤسسة والخضوع لشروطها فجاء مايسمى بشرط الفصاحة والبيان فالشاعر يجب أن يكون خطابه مستقر الدلالة وغير خاضع للتاؤيل لأن المؤسسة القائمة في ذلك العصر تشترط ذلك وتشجع عليه والتاؤيل يصبح خطرا على ماهو سياسي في الوقت نفسه لأن التعدد الدلالي قد يعصف بالمعنى ويدخل المتلقي في حالة من التشويش الذهني، ومن هنا يصبح الشاعر لايستجيب الى ماتريده السلطة الدينية فالعالم القديم كان مفسرا في مفهومه العميق ولاداعي الى تاؤيله بما أن كل الحقائق الكونية موجودة في النص المقدس الذي استغرقه الفقه تفسيرا وتحديدا ولانستغرب اذا وجدنا أن النص الأدبي نفسه يفسر بالشروط الفقهية نفسها ويخضع الى نفس السنن التفسيرية وقد حظي العديد من الشعراء بمكانة هامة في الوسط الأدبي لأنهم لم يتخطوا الخطوط الموضوعة لهم سلفا ولم يوغلوا في المعنى، بينما نجد أخرين مثل المتصوفة قد تم التصدي لهم وتقتيلهم في كثير من الأحيان وذلك نتيجة لتجاوزهم هذه الخطوط الحمراء وجعل الشعر بالنسبة لهم خطابا غير مستقر الدلالة ويحتاج الى التاؤيل، لذلك في نظري ان الخطاب الابداعي الانساني لايعير بالمعيار الديني.
- من خلال معايشتك لتفوق الخطاب النقدي في دول المغرب العربي هل تستطيع أن تؤكد لنا تميز المشغل الابداعي على مستوى الشعر وبقية الاجناس بالشكل الذي ادى الى أن ينتج خطابا نقديا مميزا ام ان تميز النقد هو تفسير لتعطل المشهد الادبي ؟
يُعرف عن المغرب العربي انه يمتاز بخطاب نقدي واع واذا مارجعنا الى التاريخ فإن النقاد هناك كانوا دائمي الحضور سواء كان في المشهد الديني أو المشهد الفني ولنا مثلا على ذلك عندما تناول نقاد المغرب العربي كتاب احياء علوم الدين للغزالي بالنقد فكلما كان هنالك منتوج فكري أو فني في المشرق العربي وجدنا صداه النقدي في المغرب العربي،
ولكن هذا الامر أحدث وعيا هو أن اختصاص المغرب العربي هو النقد واختصاص الشرق هو الابداع فاصبح الشرق عبر التاريخ هو موطن الالهام والفنون والنبوءات ايضا والغرب والمغرب العربي هو موطن العقل والنقد والتحديد والتقنين وهذا الامر عطّل مبدعي المغرب العربي، حيث أصبح ينظر اليهم في الشرق على أنهم مبدعون من درجة ثانية مما جعل الطاقات الابداعية لاتنمو بالشكل المطلوب
اذا ما اعتبرنا أن نقاد المغرب العربي أنفسهم لايولون اهتماما بما ينتج من ابداع في بلدانهم حيث يتسابقون الى نقد ماينتج في الشرق وهذا الامر لعب دورا سلبيا عبر العصور، كما أن للمبدعين قدر كبير في ترسيخ هذه الفكرة لأنهم غالبا مايعيدون انتاج مايكتب في الشرق ويسوقون لهم بضاعتهم فنجد أن عديد الشعراء متأثرين بالموروث الثقافي الشرقي أكثر من الموروث الثقافي الموجود في بلدانهم، مثلا هناك من يكتب عن ملحمة كلكامش أو الاساطير الفرعونية او يذهب حتى الى الاساطير اليونانية ويغفل عن استنطاق الموروث الثقافي المدفون في الحيز المكاني الذي ينتمي اليه، كما أن المحاولات التي استهدفت الادب الاندلسي هي محاولات نادرة وهذا ما اسهم ايضا في جعل النص الابداعي في المغرب العربي لايتميز بخصوصية وفرادة تجعله يستقل ولو جزئيا عن الخطاب الابداعي المشرقي، وانا اعتقد أن المبدعين الشرقيون ينتظرون من المبدعين الاخرين خطابا فنيا له خصوصية مختلفة عن خطابهم ليصبح فيما بعد منهلا من المناهل لتطوير العملية الابداعية، ولهذا فإن المفهوم الذي يقول بوجود النقد في المغرب والابداع في المشرق مفهوم مغلوط ولايخدم الثقافة العربية خاصة والكونية عامة.
وقد حدث في الاعوام الاخيرة مفهوم عكسي خاصة على مستوى الرواية اذ نجد روائيين ممتازين جاد بهم المغرب العربي واستطاعوا اثبات وجودهم عالميا مثل وسيم الاعرج من الجزائر الطاهر وطار احلام مستغانمي ابراهيم الكوني ابراهيم الدرغوثي وغيرهم.
القرواشي مع جيهان بركات وحسن القرني وقمر صبري
- ذكرت أن هناك تواصلا اطلاعيا من قبل مثقفي المغرب على ماينتجه المشرقيون، بوصفك ناقدا او قريبا من الحالة النقدية في المغرب كيف تقرأ خريطة الابداع المشرقي وماهي دلائل نجاحه واخفاقه؟
اولا اريد أن اعود دائما الى الناحية التاريخية فقد كان في المشرق زخم ابداعي هائل اثرى الثقافة العربية والكونية على مر العصور وهذا ماطوّر الانسان العربي عموما وارتقّى بملكاته الابداعية والفكرية ونحن اليوم نشهد تطورا يشمل جميع الأصعدة السياسية والدينية والابداعية، وفي خضم هذه التحولات العميقة فاننا نرتقب ثقافة تساير كل هذه التحولات وعلى المبدع أن يكون معبرا عن زمنه ومسيرا له
ويضع قدمه في مستوى نقطة المعاصرة لا أن يعيد خطابات سابقة لم يعد لها مكان في عصرنا الحديث وبعد موت الكبار من المبدعين مثل درويش وقباني والسياب وغيرهم فإن المشهد الثقافي العربي أصبح يعاني من فراغات، وهذه الفراغات تحتم مرور فترة زمنية لصعود مبدعين جدد يملأون المشهد الثقافي ولهذا فإن المرحلة الحالية تتسم بضبابية الرؤية ومن الصعب ملأ فراغ محمود درويش مثلا ، لهذا فإن الثقافة العربية وخاصة في مستوى الشعر تعاني من خفوت،
أما فيما يتعلق بدلائل النجاح فأظن أنه يتحتم الخروج عن العزف على أوتار السابقين ونحت مسار ادبي يتماشى مع مانحن فيه في هذا العصر، فإن سؤال التحديث لايطرح فقط على الشعر أو على الفن عموما وانما ايضا يطرح على المجتمع وعلى التطور التقني والسياسي والديني فإن اي عملية تحديثية هي عملية تستوجب تطوير كل ماكنت أشير اليه.
- /b]
الشاعر الشاذلي القرواشي يكشف سر هروب محمود درويش داخل الحارات التونسية .. ويؤكد : لم يعد هناك مكان للإنسان غير المبدع
الاربعاء, 2009.08.19 (GMT)
الثقافة العربية وخاصة في مستوى الشعر تعاني من خفوت
البلوغ للحضارة يستوجب التضحية من قبل المثقفين
لم يعد هناك مكان للانسان غير المبدع
الانسان العربي صاحب النسبة الاضعف في مطالعة الكتب
يجب أن يستمر الإبداع ونخرج من حالة الانكفاء الى الوعي
وكالة أنباء الشعر/ حاوره: عمر عناز
مابين مشرق الشمس ومغربها مسافة من دهشة يرتسمها الشعر بما يحمل من ايحاءات ترصّع نوافذ افكارنا بندى التأمل .. نوافذ نطل منها على مدائن الحلم علّنا نقتنص لحظة الابداع الملونة بالأخضر المنعكس من ثنايا روح ابن تونس الخضراء الشاعر الجميل الشاذلي القرواشي،
استثنائي في الكثير من تفاصيل شعره وشخصه، فهو شاعر يجترح مسافات بوح تعبق بالسحر الذي تموسقه روحه على ايقاعات ملائكية الملامح، وبقدر مايسمو بروحه نجده منتميا للأرض ملتصقا بها حد انه يقدّم ركوب ناقة لالاف الاميال على التورط بصعود طائرة،
كان للشاذلي حضوره المميز في النسخة الثالثة من امير الشعراء وقد حظي بتكريم الناقد الدكتور عبد الملك مرتاض الذي قال بحقه انه شاعر مميز ولو أن التصويت أنصفه لكان ضمن باقة شعراء الدور النهائي ...
احتفاء بتميز الشاذلي وندرته الابداعية استضافته الوكالة عبر هذا الحوار ...
الشاذلي القرواشي متحدثاً للزميل عمر عناز
- الشاذلي القرواشي.. عبر تجربة طويلة في ميدان الكتابة ..كيف تقرا الشعر بوصفه مفهوما ؟
الشعر هو محاولة لاحداث التوازن مع الوجود اساسا وهو ضرورة في حياة ابتعدت عما هو طبيعي ودخلت في طبيعة ثانية أسميها الثقافة، فلا بد من الانخراط في الكون على نحو ابداعي والشاعر قادر على اعطاء رؤيا للوجود والانخراط في تفسير العالم ومن هنا فان الشعر يصبح ضرورة.
- مازلت الثقافة لاتقر على تعريف قطعي ، ماتعريفك للثقافة ، هل هي سلوك ام تراكم كمي للمعلومات ام كلاهما؟
اولا يجب ان نبين مراحل الثقافة وتمظهراتها، فهناك من يحمل الثقافة وهو عبارة عن شخص لديه مجموعة من التراكمات الثقافية يحتفظ بها الوعي ولكن بمجرد انخراطه في الحياة اليومية يعود الى طبيعته التي نشأ عليها، وهناك صنف ثان هو المثقف الذي نجد في سلوكه تغلل الثقافة في مسام حياته اليومية فيقيم على الارض على نحو يختلف عن الانسان غير المثقف ولكن هناك فئة ثالثة وهي نادرة والتي يتحول فيها الكائن كمنتج للثقافة وهولاء لايظهرون الا في فترات متباعدة من التاريخ البشري مثل ابن رشد وابن حلدون وابن سينا وغيرهم، والثقافة في نظري هي كل مايخرج عن الطبيعة وذلك في غياب مدلول تاريخي ينبئنا عن حالة الانسان وهو في مرحلة الطبيعة.
- برأيك هل كان لحضور الخطاب الديني في المنطقة العربية دور في مأسسة الثقافة وجعلها رتيبة وغير منتجة أم أن هذه دعوى يمارسها من يبحث عن مزالق الانفلات الفكري؟
ان هيمنة الخطاب الديني تفرض ضوابط تجعل من الثقافة تنمو في أطر محددة لايمكن الخروج عنها وهنا اتكلم عن ايدلوجية دين وليس الدين في مفهومه المطلق بمعنى الدين كما تضبطه المؤسسة الدينية القائمة في مجتمع ما التي تحدد ابعاده ومفاهيمه، ولو تحدثنا عن الشعر مثلا بوصفه عنصرا من عناصر الثقافة الانسانية فاننا نجد أنه يخضع الى شروط المؤسسة الدينية فمثلا لقد عانى الشاعر كثيرا في عصور سابقة من استلابه الى هذه المؤسسة والخضوع لشروطها فجاء مايسمى بشرط الفصاحة والبيان فالشاعر يجب أن يكون خطابه مستقر الدلالة وغير خاضع للتاؤيل لأن المؤسسة القائمة في ذلك العصر تشترط ذلك وتشجع عليه والتاؤيل يصبح خطرا على ماهو سياسي في الوقت نفسه لأن التعدد الدلالي قد يعصف بالمعنى ويدخل المتلقي في حالة من التشويش الذهني، ومن هنا يصبح الشاعر لايستجيب الى ماتريده السلطة الدينية فالعالم القديم كان مفسرا في مفهومه العميق ولاداعي الى تاؤيله بما أن كل الحقائق الكونية موجودة في النص المقدس الذي استغرقه الفقه تفسيرا وتحديدا ولانستغرب اذا وجدنا أن النص الأدبي نفسه يفسر بالشروط الفقهية نفسها ويخضع الى نفس السنن التفسيرية وقد حظي العديد من الشعراء بمكانة هامة في الوسط الأدبي لأنهم لم يتخطوا الخطوط الموضوعة لهم سلفا ولم يوغلوا في المعنى، بينما نجد أخرين مثل المتصوفة قد تم التصدي لهم وتقتيلهم في كثير من الأحيان وذلك نتيجة لتجاوزهم هذه الخطوط الحمراء وجعل الشعر بالنسبة لهم خطابا غير مستقر الدلالة ويحتاج الى التاؤيل، لذلك في نظري ان الخطاب الابداعي الانساني لايعير بالمعيار الديني.
- من خلال معايشتك لتفوق الخطاب النقدي في دول المغرب العربي هل تستطيع أن تؤكد لنا تميز المشغل الابداعي على مستوى الشعر وبقية الاجناس بالشكل الذي ادى الى أن ينتج خطابا نقديا مميزا ام ان تميز النقد هو تفسير لتعطل المشهد الادبي ؟
يُعرف عن المغرب العربي انه يمتاز بخطاب نقدي واع واذا مارجعنا الى التاريخ فإن النقاد هناك كانوا دائمي الحضور سواء كان في المشهد الديني أو المشهد الفني ولنا مثلا على ذلك عندما تناول نقاد المغرب العربي كتاب احياء علوم الدين للغزالي بالنقد فكلما كان هنالك منتوج فكري أو فني في المشرق العربي وجدنا صداه النقدي في المغرب العربي،
ولكن هذا الامر أحدث وعيا هو أن اختصاص المغرب العربي هو النقد واختصاص الشرق هو الابداع فاصبح الشرق عبر التاريخ هو موطن الالهام والفنون والنبوءات ايضا والغرب والمغرب العربي هو موطن العقل والنقد والتحديد والتقنين وهذا الامر عطّل مبدعي المغرب العربي، حيث أصبح ينظر اليهم في الشرق على أنهم مبدعون من درجة ثانية مما جعل الطاقات الابداعية لاتنمو بالشكل المطلوب
اذا ما اعتبرنا أن نقاد المغرب العربي أنفسهم لايولون اهتماما بما ينتج من ابداع في بلدانهم حيث يتسابقون الى نقد ماينتج في الشرق وهذا الامر لعب دورا سلبيا عبر العصور، كما أن للمبدعين قدر كبير في ترسيخ هذه الفكرة لأنهم غالبا مايعيدون انتاج مايكتب في الشرق ويسوقون لهم بضاعتهم فنجد أن عديد الشعراء متأثرين بالموروث الثقافي الشرقي أكثر من الموروث الثقافي الموجود في بلدانهم، مثلا هناك من يكتب عن ملحمة كلكامش أو الاساطير الفرعونية او يذهب حتى الى الاساطير اليونانية ويغفل عن استنطاق الموروث الثقافي المدفون في الحيز المكاني الذي ينتمي اليه، كما أن المحاولات التي استهدفت الادب الاندلسي هي محاولات نادرة وهذا ما اسهم ايضا في جعل النص الابداعي في المغرب العربي لايتميز بخصوصية وفرادة تجعله يستقل ولو جزئيا عن الخطاب الابداعي المشرقي، وانا اعتقد أن المبدعين الشرقيون ينتظرون من المبدعين الاخرين خطابا فنيا له خصوصية مختلفة عن خطابهم ليصبح فيما بعد منهلا من المناهل لتطوير العملية الابداعية، ولهذا فإن المفهوم الذي يقول بوجود النقد في المغرب والابداع في المشرق مفهوم مغلوط ولايخدم الثقافة العربية خاصة والكونية عامة.
وقد حدث في الاعوام الاخيرة مفهوم عكسي خاصة على مستوى الرواية اذ نجد روائيين ممتازين جاد بهم المغرب العربي واستطاعوا اثبات وجودهم عالميا مثل وسيم الاعرج من الجزائر الطاهر وطار احلام مستغانمي ابراهيم الكوني ابراهيم الدرغوثي وغيرهم.
القرواشي مع جيهان بركات وحسن القرني وقمر صبري
- ذكرت أن هناك تواصلا اطلاعيا من قبل مثقفي المغرب على ماينتجه المشرقيون، بوصفك ناقدا او قريبا من الحالة النقدية في المغرب كيف تقرأ خريطة الابداع المشرقي وماهي دلائل نجاحه واخفاقه؟
اولا اريد أن اعود دائما الى الناحية التاريخية فقد كان في المشرق زخم ابداعي هائل اثرى الثقافة العربية والكونية على مر العصور وهذا ماطوّر الانسان العربي عموما وارتقّى بملكاته الابداعية والفكرية ونحن اليوم نشهد تطورا يشمل جميع الأصعدة السياسية والدينية والابداعية، وفي خضم هذه التحولات العميقة فاننا نرتقب ثقافة تساير كل هذه التحولات وعلى المبدع أن يكون معبرا عن زمنه ومسيرا له
ويضع قدمه في مستوى نقطة المعاصرة لا أن يعيد خطابات سابقة لم يعد لها مكان في عصرنا الحديث وبعد موت الكبار من المبدعين مثل درويش وقباني والسياب وغيرهم فإن المشهد الثقافي العربي أصبح يعاني من فراغات، وهذه الفراغات تحتم مرور فترة زمنية لصعود مبدعين جدد يملأون المشهد الثقافي ولهذا فإن المرحلة الحالية تتسم بضبابية الرؤية ومن الصعب ملأ فراغ محمود درويش مثلا ، لهذا فإن الثقافة العربية وخاصة في مستوى الشعر تعاني من خفوت،
أما فيما يتعلق بدلائل النجاح فأظن أنه يتحتم الخروج عن العزف على أوتار السابقين ونحت مسار ادبي يتماشى مع مانحن فيه في هذا العصر، فإن سؤال التحديث لايطرح فقط على الشعر أو على الفن عموما وانما ايضا يطرح على المجتمع وعلى التطور التقني والسياسي والديني فإن اي عملية تحديثية هي عملية تستوجب تطوير كل ماكنت أشير اليه.
- /b]